تتغير الأشياء بتغير محتوياتها، وقد يكون هذا التغير ذاتيا أو طبيعيا وقد يكون على أثر تدخلات وتأثيرات خارجية. كما قد يكون التغير فى الشئ قصير الأجل ويمر دون أثر كبير ويصبح ذكرى، وقد يكون أيضا هذا التغير فى الشئ طويل الأجل لا يمر بسهوله ويترك آثارا مؤثرة فى طبيعة الشئ. وهذا ما أصبح واقعا ملموسا فى تغير المناخ الذى أسفر عن غضبه الشديد من خلال التحولات الشديدة والطويلة الأجل فى كل من درجات الحرارة وأنماط الطقس المختلفة. هذه التحولات التى لم نشعر بها الا اذا كانت بسبب التحويلات الطبيعية التى تنبثق من تلك التغيرات في نشاط الشمس أو الانفجارات البركانية الكبيرة.
ولكن منذ القرن التاسع عشر ومع الحراك البشرى الشديد التأثير ومع الانفجار السكانى الذى ابتلع كل لمسات الطبيعة الساحرة، كانت الأنشطة البشرية هي المحرك الرئيسي لتغير المناخ ، حيث كثف الانسان من حرقه للوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز. حرق واحتراق عشوائى هنا وهناك لوقود أحفورى أدى الى تضخم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي غلفت الحزام الأرضى بغطاء غير عادى عمل وبقوة على حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة.
انبعاثات غازات الاحتباس الحراري شملت بين طياتها ما يسمى بالغازات الدفيئة ( ثاني أكسيد الكربون والميثان ) التي تسبب تغيرا رئيسيا فى المناخ. تأتي هذه الغازات من استخدام البنزين الهادف الى قيادة السيارة أو من استهلاك الفحم لتدفئة مبنى، على سبيل المثال. علاوة على انظلاق ثانى أكسيد الكربون عند تطهير الأراضي وقطع الغابات أيضًا. كما تعتبر عمليات الزراعة والنفط والغاز من المصادر الرئيسية لانبعاثات غاز الميثان. وتعد أيضا الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي من بين القطاعات الرئيسية المسببة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. احتياس حرارى ادى الى تفاقم التغيرات المناخية التى تغلغل أثرها وتأثيرها على كافة مناحى الحياة، فلم تعد الأشياء على الفطرة التى استمتع بها الأجداد، حيث افتقدنا المذاق الطبيعى للخضرواتـ، وافتقدنا زغردة العصافير وشقشقتها، وغاب عنا خرير الماء وسحه النقى الذى أصبح ملوثا بحامضية عوادم المصانع والسيارات.
ومع التغيرات المناخية اعتلى سطح الحياة تغيرات أخرى أكثر سوءا لما لها من آثار سيئة على مناخ علاقتنا وترابطنا الذى عهدناه منذ القدم، حيث غابت عنا غالبية الممارسات والسلوكيات الحسنة الطيبة، وتحرك بداخلنا كل قابيل الخلق وفر من بيننا كل هابيل الطباع المحجوبة عن واقعنا الممسوخ الذى نعتقد فيه كل تقدم وثقافة وعلم.
دقت أبواق الخطر واقتعلت التغيرات المناخية بوابات العالم العصرى الذى نسى بل تناسى أنه سيأتى اليوم الذى يهجم فيه البحر على اليابس ليأخذ كل ما اعتلاه من كائنات حية ومكونات غير حية. هذه العصرية والتقدم التى تضاءلت قوتها أمام فيروس كورونا الذى يتغير باستمرار ويمتلك فنية الهروب من المناعة ليزيد من صعوبة حل المسألة. عندما دق ناقوس الخطر كل أبواب العالم، سارع الجميع الى عقد المؤتمرات والندوات ورفعت حالات الطوارئ هنا وهناك وازدادت التدابير للهروب من خطر الفيروس القاتل الذى لم يعبأ بكل هذا وذاك والتهم الكثير من الأرواح ولم يفرق بين صغير وكبير، فحصد أرواح الكثير من الأطفال قبل الشيوخ ولم يترك أى فرصة للكثير من الشباب. تغيرات مناخية أصابت النفوس والأرواح وامتدت لتلتهم الزرع و تلوث الهواء والماء وتزيد من مستنقعات التصحر، كل هذا ولم تصل المؤتمرات والندوات الى شئ غير عقد النية على التغيير والتحسين والعمل على ايجاد الحلول وفى الوقت ذاته تنفجر براكين الحروب هناك وهناك لتزيد الطين بلة ويزداد البكاء الاقتصادى فى عيون جمعت بداخلها كل المتناقضات. ان فى كل هذا درس مناخى فريد من نوعه مفاده “إن عُدت عُدنا…. وإن وافيتَ وافينا.. وإن هجرتْ؟.. “فإنا قد تكافـينا“، الأمر الذى يستوجب أن نتوقف وفورا عن كل ممارستنا السيئة وعن عنادنا غير المبرر مع الطبيعة الساحرة، ذلك دون قيد أو شرط لأن فى الالتزام الزام يجب الوفاء به.