هل وجدت بأن طفلك يفقد التركيز بسهولة في المدرسة؟ أو أخبرك المعلم بأن ابنتك تفقد تركيزها في نهاية الدرس؟ ومع تقدم اليوم يصبح الأمر أكثر سوءاً؟ هل حاولت معاقبة طفلك من خلال عدم السماح له برؤية أصدقائه حتى تتحسن علاماته، لتجد بأن هذا لم يكن له أي تأثير، وبأن استخدام أسلوب المكافأة غير مجدي أيضاً؟ هل حاولت رشوة طفلك بلعبة مميزة أو لعبة يريدها ولكنه لم يبدو وكأنه تحفز للأمر؟
الحل بسيط
مع مرور الأيام يبدو بأن طفلك يتأخر أكثر وأكثر في دراسته، وأنت لم يعد بإمكانك التفكير بأي شيء آخر للتعامل من خلاله مع الموضوع، ولكن لاتخف، فالحل أكثر بساطة مما كنت تعتقده، الحقيقة هي أن الأشخاص، وبخاصة الأطفال، لا يستطيعون التركيز لفترات طويلة من الزمن، خذ طفلاً يبلغ من العمر 5 سنوات على سبيل المثال، وستجد بأن الحد الأقصى الذي يمكنه فيه أن يحافظ على تركيزه في العادة هو حوالي 15 دقيقة.
الجواب على هذه المشكلة الشائعة هي أن يتم أخذ فترات راحة منتظمة (والذي يمكن أن يعني أيضاً القيام ببعض المهام السهلة مثل غسل الأيدي)، حيث أن تجزئة الدرس إلى مجموعة من السلاسل الصغيرة الأكثر قابلية للإدارة تجعل الحياة أسهل بكثير للطلاب، وإذا ما سُمح للطفل بأخذ فترات من الاستراحة الهادئة، والتي لا يتخللها أي تحفيز بأي شكل من الأشكال، فقد تجد بأنه بعد ذلك سيعيد تنظيم نفسه ويصبح أكثر قدرة على التركيز مرة أخرى على المهمة الموكلة إليه.
لا تحفزه خلال فترة الاستراحة
من المهم أن تتأكد من أن لا تكون الاستراحة مسلية جداً أو تتضمن الكثير من التحفيز، حيث لا ينبغي أن يسمح للأطفال باللعب على هواتفهم أو الدردشة على نطاق واسع مع الأطفال الآخرين، بل ينبغي أن يكون وقتاً للهدوء، وقتاً يتم خلاله تشجيع الأطفال على الجلوس بسلام أو المشي في أنحاء الغرفة والنظر في الأشياء التي قد تكون في عقولهم.
أظهرت دراسة حديثة بأن الأطفال ليسوا وحدهم الذين يمكن أن يستفيدوا من الاستراحات المتكررة، فكل واحد منا يمكن أن يفقد تركيزه إذا ما أجبر على القيام بنفس المهمة لفترة طويلة من الزمن.
يشير رئيس الدراسة وأستاذ علم النفس الدكتور (أليخاندرو ليراس) من جامعة إلينوي، بأن انخفاض “الاهتمام” لدى الشخص يكون بسبب في ما يسمى بـ”نقص اليقظة”، ونقص اليقظة هو فقدان في التركيز نختبره بعد تنفيذ مهمة لفترة طويلة من الزمن.
من الإدراك الحسي إلى الأفكار
لاحظ (ليراس) بأن الدماغ أثناء الإدراك الحسي يتوقف عن الانتباه تدريجياً إلى المدخلات البصرية أو الصوتية أو الشعورية إذا ما كان هذا التحفيز مستمراً بشكل متسق مع مرور الوقت، فمثلاً، نحن لا نولي اهتماماً كبيراً لشعورنا بما نرتديه، فتبعاً لـ(ليراس)، فإن التحفيز المستمر يعتبر بأنه غير مهم من قبل أدمغتنا، لدرجة أن الدماغ يمحو ذلك من وعينا.
بحسب (ليراس) فإنه إذا كان هناك نوع من التناظر الوظيفي في الطرق التي يعالج فيها الدماغ المعلومات بشكل أساسي، فإن الطريقة التي يعالج فيها العقل المعلومات التي تأتي من الأحاسيس يجب أن تنطبق أيضاً على الأفكار، وهذا يعني أنه إذا كان التنبيه الشعوري المستمر يجعل هذا الإحساس يختفي من وعينا، فإن التنبيه المستمر لأفكارنا ينبغي أن يؤدي أيضاً إلى جعل تلك الفكرة تختفي من عقولنا!
نتائج الدراسة
قام الدكتور (ليراس) وزميل ما بعد الدكتوراه (اتسونوري أريجا) باختبار قدرة المشاركين على التركيز على مهمة محوسبة متكررة لمدة ساعة واحدة تقريباً، وكانت تأدية المهمة تتضمن مجموعة من الشروط، وبعد انتهاء التجربة، تبين بأن أداء معظم المشاركين في المهمة انخفض على طول الفترة التي امتدت خلالها إلى حد كبير.
ولكن مع ذلك، إحدى المجموعات التي دعيت بـ”مجموعة التبديل” لم تشهد أي تراجع في أدائها، حيث أن تلك المجموعة كانت قد أعطيت فترتي راحة قصيرتين خلال تأديتها لمهمتها الرئيسية، وكانت النتيجة أن المشاركين من تلك المجموعة كانوا قادرين على الاستمرار في التركيز طوال التجربة بأكملها.
يشير (ليراس) بأن الاهتمام لفترات طويلة على مهمة واحدة يمكن أن يعيق الأداء في الحقيقة.
من الناحية العملية، تشير الأبحاث بأنه عندما تواجه مهاماً طويلة (مثل دراسة قبل الامتحان النهائي)، فمن الأفضل أن تأخذ فواصل قصيرة، فالفواصل العقلية الوجيزة تساعد بالفعل على الاستمرار في التركيز على مهمتك.
الخلاصة
المبدأ ذاته ينطبق على الأطفال، حيث أن إدخال فترات من الراحة خلال برنامج دراسة الأطفال يمكن أن تكون له آثار إيجابية على تمكنهم من الاستمرار في التركيز، وإذا كنت أباً أو أماً فقد ترغب في اقتراح هذا على معلم طفلك، كما ويمكنك أيضاً تجربة فترة الاستراحة في المنزل، وقد تتفاجأ عندها من تحسن النتائج بشكل كبير.